المحاضرة التانية ديمقراطية
في " المحاضرة التانية "طبعا يسعدني لقاءكم ، سواء اجتهدتم في تأمل الفرق بين كل من كلمة " ديمقراطية " وكلمة " فلسفة " ، واللذان كنت اشرت اليهما في الحديث السابق أم لم تجتهدوا ، فإني اتوقع الأمرين ..
ولنتابع معاً ـ لإصراري الديكتاتوري على إجباركم اولاً وقبل اي حديث على المقارنه بين اللفظين ـ المعاني القاطنة في اللفظين .
كلمة " فلسفة " :
الفلسفة هي
ـ وظيفة يقوم بها فرد له صلاحيات معينه ـ كوصف للشخص
ـ بعد ارتقاءه في العلوم والدراية لدرجة معينة ـ وصفا لعلمه
ـ وبطريقة ونهج معين ـ وصفاً لقواعد عمل وأهداف هذه الوظيفة
بمعنى ان هذه هي شروط تعيين الفيلسوف .. الذي يمارس الفلسفة ، حتى يكون الصحيح في المكان الصحيح وله نتائج صحيحة قد يستفاد منها آن عاجلا او آجلا . فوظيفة هذا الفيلسوف وبأثر رجعي من خلال هذه الشروط ، هي القدرة على نهج طريق ملزم بقواعد معينه للوصول لنتيجة أو رأي .. وهذه القدرة حتما وإلزاما ان يكون قد اكتسبها عن طريق ارتقاءه في العلوم والدراية لدرجات معينة حتى يُمنح ليسانس ( بمعنى تصريح ) الهابيليتيشن والفلسفة.
أما عن العلوم والدراية ، فهي شاملة أو متخصصة ، بشرط انا يكون هناك ربط دائم وتأثير مباشر وغير مباشر على ديناميكيات موجودة بالفعل وقائمة ، كانت في أصلها او فعلها تيوريتيكية او براكتيكيه .
وفيما يتعلق بصلاحيات الفيلسوف ، فهي وصف شامل للقدرة الشخصية على الحياد النابع عن التروي بحِـكمة والفصل بين الأشياء بعين وفكر انالوتيكي ، واصفاً لعلاقة االأشياء والمواد والأفكار والمؤثرات ببعضها البعض في سلسة أحداث معينة ، للوقوف على تأثيراتها وإقرار تلك التأثيرات كنتائج أو آراء دياجونتكية .
وقد أجنح في التدليل على ما اراه إلى ثقافتنا العربية ، حيث تجدون ان هذه الكلمة اللاتينية في أصلها اللغوي ، ترادف كلمة " حكيم " في اللغة العربية ، كما ترون ان من أطلق عليهم هذا اللفظ العربي دائما ما يكونوا من الأطباء أو القضاة أو العطارين .
فالطبيب من مارس الربط بين المؤثرات الجغرافية والبيولوجية والفيزيقية والكيميائية وتقرير الرأي ليوافق الهدف
والعطار من مارس الربط بين محتويات المواد وكيفية استخراج هذه المحتويات بأعلى نتائج أو اقل ... وتقرير الرأي في إعادة مزجها بطريقة ملائمة توافق الهدف.
والقاضي من مارس الربط بين احداث معينة وتسلسلها في أصولها و تواريخها ودوافعها واسبابها .. ليقرر ما يوافق الهدف.
وإن اتفقنا أنه لا مانع ان تأخذ الحكمة من افواه المجانين ، فلا يدل ذلك إلا على استثناء المجانين من قاعدة الشروط الواجبة في اختيار او توظيف الحكماء ( الفلاسفة ) ... ووظيفة الاستثناء ماهي إلا إثبات وإرساء تلك القواعد .. وإلا لم يكن ـ استثناء ، وإن كنت احيانا اتجه إلى تفسير كلمة مجنون بكلمة ديكتاتور لإصرار المجنون على رأي معين او تصرف معين بنتيجة معينة.
وقد ترون معي ان كل فيلسوف او حكيم له هدف في وظيفته مرتبط بصورة مباشرة بالإنسان بمعنى
اما فيما يخص الديمقراطية كلفظ ، فهي حرية الرأي ومحاولة المشاركة في اتخاذ قرار ، او التأثير على كيفية اتخاذ القرار ، او كذلك الممارسة وتناول الحياة بالطريقة التى تحلو للإنسان الديمقراطي على ألا يسيء للأخرين ـ حيث يتمتعون هم كذلك بهذه الديمقراطية التي تمنحهم الحق في العيش كما يحلو لهم هم دون غيرهم ، ولهم كذلك نفس الحرية في الرأي والتعبير ... والأخذ بما يطيب لهم ... اذا الديمقراطية في حقيقتها ما هي إلا ممارسة الحرية .. الفردية على المستوى الشخصي ، وحرية المجتمع ـ شمولاً، كل على سواء .
وقد يتساءل البعض منكم ، ما علاقة هذا بذاك ؟ ما علاقة الفلسفة بالديمقراطية ؟؟
العلاقة يا سادة يا كرام ، تجدوها في مجتمعنا الذي ينظر إلى الديمقراطية وكأنها العنقاء او التنين الذي أفاق بعد نوم طويل ، فأخذ في ممارستها من منطلق حرية الرأي فقط ، وسمح الكثيرين من علامات المجتمع ـ من منطلق حرية الرأي المتاحة من خلال الديمقراطية ـ أن يتطرقوا بالرأي إلى حدود الفلسفة بقروا أو يرفضوا أو يشجبوا في تصور أن حرية الرأي تبيح التنازل عن الأخلاق وأدب الحوار ممارسين لحرياتهم بأسلوب خاطيء متشبثين برأي أن من علامات الديمقراطية الصحيحة ان اقول ما أريد وأفعل ما أريد ، فبات الشارع المصري بزيء الخلق شبابنا متعجرف مستهتر فاقد للأمل ، وان كان شجاعا ، تنابز بالألفاظ ، ونسب السوء إلى كل من هب ودب ، وكل من استطاع ان يوجه إليه الاتهامات والسباب بدون حياء ، واصبح الشباب يتناول من الألفاظ والأفعال ما يستحي منة السمع ، ولا أقصر الشباب على الذكور منهم ، بل الكثير من الإناث من سمعتهم ورأيتهم يمارسون الحرية ـ الأوربية ـ التي طالما ما شجبوها ـ بأسلوب اسواء من الأوربيين الذين اعتادوا ان يمارسوا حرياتهم في اطار القانون وقواعد المجتمع ... فهل من قواعد مجتمعنا السب ، أو التنازل عن اداب الحديث واختيار الألفاظ كأن تكتب احد المحررات من النساء أو الفتيات مقالة تحت أسم ( سرتن سرتن في أي مكان ، صحراء ان كان او بستان ) ؟؟
والأسواء من الأسواء ان يتشدق ممارسوا حرية الرأي في إطار الديمقراطية ، بما يملية عليهم هواهم كالقيام بنقد لشخص او مكان او مؤسسة او هيئة او حكومة او قانون ، وقد بتطرق النقد إلى السب العلني ... دون تقديم البديل ، كأن يتشدق أحدهم بالقول مثلا الحزب الفلاني حزب إبن ـــ وكل اللي فيه ــــ وبرنامجهم كله نصب وضحك على الدقون ... وما شابه ذلك ........
فأما السب في حزب أبن .... وكل اللي فيه ..... ، فأنا شخصياً أدرجه تحت بند : من خانهم اللفظ أو حادوا عن الأدب أو سباستيكا او أطفال او او او .......إلخ ..
ولكن وكما أشرت سابقاً ، إن كان هذا أو ذاك ، يسمح لنفسة أن ـ يتفلسف ـ بقوله ان الحزب الفلاني برنامجه حايده الصواب ، او الولاء .. فيجب عليه اولا ان يستوفي شروط الفيلسوف السابق ذكرها ، ليتقدم ببرنامج بديل يوضح فيه ما يراه صحيحاً ، على أن يكون البرنامج اشمل في محتواة بطريق المقارنه بين البرنامج الحزبي المشجوب ، والمقدم بديلاً ، وكيفية وطرق تنفيذ هذا البرنامج ، حتى يتسنى لي الاقتناع بجديته وواقع امكانيه التنفيذ ..... وهذا على سبيل المثال لا الحصر ، وقياساً عليه ممارسات حرية الرأي في سب فلان وشجب علان والتشنيع بشخصية زيد وقتل عبيد بالحبر على الورق ...
فلا قواعد الفلسفة تسمح بأن يتقول او يتشدق في فلسفته كل من هب ودب
ولا قواعد الديمقراطية تسمح بأن يتطاول في حرية رأية كل من هب ودب
دون ان يستوفي كل من هب ودب شروط ممارسة أي منهما فلسفة كانت او حرية
إذا المشكلة ليست هل هناك ديمقراطية أم لا
المشكلة ان الديمقراطية لتصبح ممارستها حقيقة يجب ان تكون هناك حريات ، ولكن هل الحريات تغني عن الأدب والقانون والعرف والتقاليد والأخلاق ، ليتفلسف كل من اراد أن يفتى رأيا ، او يسب كل من هان عليه الناس ، او يحرم ويحلل كل من تخيل في نفسة الدراية ؟
وهنا فقط اسمح لنفسي ان أضيف ما وقع تحت بصري بعين الصدفة وأجده مناسباً لكل الأوقات والأحيان ـ كالتالي :
علموا الناس ضوابط الحرية ، وآداب ممارساتها
نص منقول عن : محمد فوزي مؤمن ـ الصحفي بجريدة مايو بتاريخ 12.9.2005
" الحرية حق مكفول للانسان والله سبحانه وتعالي خلق الانسان ومنحه حرية اختيار العقيدة والدين وحرية التعبير عن الرأي وحرية التصرف.
والحرية مطلب لا يختلف فيه اثنان إلا أن الحرية لا تؤتي ثمارها الحقيقة إلا في ظلال الممارسة الصحيحة لها. بما لا يتعارض مع الدين. أو الأخلاق. أو قوانين الدولة. أو حقوق الآخرين وحرياتهم.
اذن لابد من تهيئة المناخ الصحي والعقلي اللازم لضمان سلامة ممارسة الحريات. قبل فتح أبوابها. لأننا إذا فتحنا الباب لكل إنسان ليتكلم بما شاء. فيما يشاء. دون مراعاة لأحكام الدين والأخلاق. وللسلامة العامة. وللنظام العام. ولحقوق الآخرين وحرياتهم. سنكون بذلك قد فتحنا أبواب جهنم علي المجتمع كله!! لأن الخلاف سيكثر وستعج الساحة بالفوضي الفكرية السوداء!
فإذا ما تم ذلك سيكون الطريق ممهداً أمام أعداء الأمة للعبث بعقول الناشئة في محاولة شريرة لمسخها وتلويثها. ثم استعمالها بعد ذلك في اثارة الفتن. وتوسيع هوة الخلاف بين أفراد المجتمع الواحد. ثم تأتي المرحلة الأخيرة لاستئصال شوكة المجتمع. ولن يفرق العدو بين من كان يواليه بالأمس. أو يعاديه اليوم!!
وتلك هي التمرة المسموسة التي يتجرعها في حالة فتح أبواب الحرية علي مصراعيها قبل تعليم الناس وارشادهم إلي ضوابط الحرية. وآداب ممارستها!!
ومعلوم ان لكل مرحلة ما يناسبها من الحرية. فالحرية التي نمنحها لأبنائنا في الصغر. تختلف تماما عن تلك الحرية التي نمنحهم اياها في كبرهم ونضجهم!!
فإذا أرادت أي أمة علي وجه الأرض أن تنعم بكامل حقها في الحرية. فلتحقق في عقول أفرادها أهلية استحقاق هذه الحرية. حتي لا تتحول هذه الحرية إلي عصا من حديد نلقي بها في أيدي السفهاء ليدمروا كل شيء باسم الحرية!!
أيها المطالبون بإطلاق الحريات.. علموا الناس أولا كيف يمارسون الحرية. علموهم أدب الخلاف. وأن لا يسفهوا آراء غيرهم التي تختلف مع آرائهم!! علموهم أن الكلمة أمانة. فلا يحق لهم أن يتكلموا فيما لا يفهمون. علموهم أن واجب الوقت الآن هو توحيد الكلمة والهدف. ولم الشمل لننهض بهذا الوطن الحبيب.
ما عذركم؟! وعندكم الأقلام. ولديكم الصحف. وبين أيديكم وسائل الاعلام المسموعة والمرئية. لتعلموهم كيف يكون الانسان إنسانا!!
فإن عجزتكم عن سلوك ذلك المسلك. فاتركوا الأقلام لأصحابها. والإصلاح لأهله. لأنكم بأي مسلك آخر ستصبحون دعاة فتنة. وصوتا يقطر شراً وفساداَ! "
0 Comments:
Post a Comment
<< Home